|
(
الأسوار) .. داخلية وخارجية أيضاً
عرض التلفزيون السوري الفيلم التلفزيوني (الأسوار ) الذي كتبه الراحل ماجد
فاكهاني وأخرجه باسل الخطيب، وشارك فيه سلوم حداد،عابد فهد ،يارا صبري،صباح
السالم وعبد الرحمن أبو القاسم .
الفيلم يحكي قصة شاب اضطر تحت وطأة ظروف معينة إلى ارتكاب جريمة قتل أودت
به وبأحلامه وراء أسوار السجن، حيث يجد نفسه في عالم لا يختلف عن الحياة في
الخارج، حيث منطق القوة يفرض نفسه داخل الأسوار،وعلى كل الموجودين التعامل
مع هذه الحقيقة بخضوع وإلاّ كان نصيبه الضرب كلما سنحت للأقوى فرصة لذلك .
داخل أسوار السجن تنشأ علاقة مميزة بين هذا السجين ومدير السجن، الذي يفجع
بوفاة زوجته وأولاده في حادث،هذه العلاقة تدفع بمدير السجن لترشيح هذا
السجين لتكون قصته منشورة في إحدى الصحف من خلال لقاء تجريه معه صحفية شابة
(ياراصبري )، التي تعاني هي الأخرى من مشاكل وهموم شخصية، أولها أنها ليست
مقتنعة بطبيعة العمل الذي تقوم به ، لكنها مع انتهاء المقابلة تتغير
قناعتها لتترسخ في ذهنها قناعات جديدة تقتنع بضرورة أن تمارسها في حياتها
وأولها أخبار المسؤول عنها في الصحيفة بأنها لن تنشر اللقاء الذي أجرته في
السجن . يتضح من سياق الفيلم أن الأسوار ربما لا تكون جدران السجن فقط ،
وإنما هي أسوار موجودة في داخلنا أيضا، وهذا يستدعي حواراً حول الحرية
وكيفية ممارستها، وهل هي محصورة بأولئك الموجودين خارج أسوار السجن، أم أن
أحيانا ًهناك سجناء يعيشون بيننا ولا يعرفون كيف يتصرفون بحياتهم ولا ماذا
يهدفون من خلال أفعالهم وتصرفاتهم ؟
شخصيات متميزة
شخصيات العمل كلها مبنية بأسلوب فني جيد، ولكل شخصية مسارها الخاص بها
والمستقل، وتظهر أهمية هذه الشخصيات من خلال علاقاتها مع بعضها، فإذا كانت
الأسوار موجودة حقاً في السجن وخارجه أيضاً، إلا أن الحب يغلف هذا الواقع
من كل جانب، وهناك أكثر من إشارة إلى هذا الجانب، حب مدير السجن لسجنائه
خاصة بعد وفاة عائلته ، حب السجين للحياة وإقراره بضرورة أن يجد الطريق
الملائمة لمثل هذا الحب، وكذلك حال الزوجة، والأخت وحتى الصحفية التي لم
تكتف بسماع القصة وحسب بل انفعلت معها الى مرحلة تغير موقفها واتخاذ موقف
جديد متفق أكثر مع قناعاتها . الأهم كان فهم أبطال العمل لأدوارهم، فسلوم
حداد الذي نال جائزة أفضل ممثل عن دوره الصغير نسبياً في مهرجان القاهرة
التلفزيوني ، لعب دور مدير السجن دون أي مبالغات فألقى لنا إحساسه بالآخرين
ممن حوله ومتابعته لكل شاردة في عمله أو حياة أخته دون ميلودرامية أو
استدرار شفقة المشاهد. المفاجأة كان الفنان عابد فهد، الذي لعب دور السجين،
حيث تراوح أداؤه بين إحساسه بأن أمله في الحياة وبتحقيق شئ فيها تلاشى في
سجنه، وبين حبه هذه الحياة ورغباته العديدة فيها، وتلون هذا الأداء بين
مواقف الضعف والانكسار وبين مواقف الحياة التي تعلم منها .
يارا صبري الصحفية التي تريد لنفسها شيئاً مغايراً لواقعها لكنها لا تملك
الإرادة الكافية لتحقيقه ، قدمت شخصيتها بهدوء وأبرزت عدم قناعتها بما
تفعله لكنها تقوم بذلك لأنه واجبها المهني فقط ، ونجحت كثيراً بإبراز هذا
التناقض . صباح السالم تعتبر عودتها الجديدة للعمل بعد الانقطاع الطويل،
بشرى حسنة ، وصباح وجه له خصوصيته ووقعه الخاص على الشاشة ، عبد الرحمن أبو
القاسم قدم دوره بإتقان حيث النصب والإحتيال في هذه الأيام له متطلبات
مختلفة عن نصابين أيام زمان .
الإخراج
المخرج باسل الخطيب نال جائزة أفضل إخراج عن هذا الفيلم في مهرجان القاهرة
التلفزيوني ، وهذه الجائزة لها مبرراتها الكاملة حيث شاهدنا لقطات متميز
وحلولاً إخراجية موفقة جداً للعديد من مشاهد الفيلم .ويحسب للمخرج طريقة
سرده لذكريات السجين مع الصحفية والقطع المونتاجي الموفق مابين المنزل
والسجن والذكريات، ومنها عندما تقلب الصحفية شريط المسجلة في منزلها ومع
إغلاق باب المسجلة نكون قد عدنا معها إلى السجن، كذلك حين عودتها من مهمتها
في السجن ،إلى منزلها، حين نشاهد ظلالاً تشبه قضبان السجن تغطي مدخل منزلها،
كله في ربط محكم مابين الحوار السابق حول الحرية ومعناها ومن هو السجين،
لندرك حجم مأساتها الشخصية. والأهم هو مشهد القتل وملاحقة الكاميرا
للمثلين،عبد الرحمن أبو القاسم الذي صعد الدرج على أربعته وعابد فهد
المنطلق خلفه بكل ثقة بإنسانيته المهدورة التي يريد استعادتها ،ولا ننسى
كذلك اللقطات الخاصة بعابد فهد، وهو يركض تجاه أسوار السجن وتوحده في لقطة
النهاية مع العمود الحديدي داخل باحة السجن .
نجح باسل الخطيب بامتياز في الصورة كما في إدارة ممثليه ،واستحق مع أسواره
أن ينال جائزة الإخراج والسيناريو وأفضل ممثل والميدالية الفضية لأفضل
إنتاج .
خالد مجر ( جريدة الثورة السورية 13 – 2 – 1996 )
|