|
بانتظار أيام الغضب ..
من يقصد قرية القنية الواقعة في شمال سوريا تقريباً يكاد يجزم أنه دخل
الماضي أو استديو تصوير ضخم، فالقرية الوادعة المميزة بأبنيتها القديمة
الجميلة خلت من معظم أبنائها اللذين يعملون في المدن الكبيرة ، وانتشرت في
ساحاتها ودروبها الصغيرة مدافع وآليات حربية من طراز الثلث الأول من القرن
، فضلاً عن عدد هائل من الجنود الفرنسيين يسعون إلى شؤونهم، وعدد أقل من
أهالي القرية بثيابهم القروية من عباءات وسراويل وطرابيش ! وهكذا من المشهد
الأول ندرك مدى ضخامة المسلسل التلفزيوني الذي يجرى تصوير قسم منه في هذه
القرية بمشاركة مايقارب 50 ممثلاً وممثلة، بينهم فرنسيين، إضافة إلى مئات
الكومبارس يملأون الشاشة صخباً ودخاناً، في مشاهد المواجهات العسكرية التي
يتوقع أن تشكل قفزة إخراجية بارزة على مستوى الدراما السورية ... ليس
ماتقدم سوى القليل مما يروى عن (أيام الغضب).. يشكل مسلسل ( أيام الغضب )
خطوة نوعية في مسيرة شركة الشام للإنتاج الفني، ويأتي اختيار المخرج باسل
الخطيب لإدارة وانجاز( أيام الغضب ) تأكيداً لحجم العمل ، ولمكانة باسل
الخطيب كمخرج ذي رصيد سينمائي وتلفزيوني من جهة ثانية... وهو مايؤكده
الفنان أيمن زيدان المدير العام للشركة المنتجة قائلاً : نؤمن بالطاقات
الإبداعية التي يمتلكها باسل الخطيب ..والتي سبق أن لفتنا كفنانين
وكمشاهدين في أعمال سينمائية وتلفزيونية كثيرة! تدور وقائع المسلسل بين
عامي 1920و1925،في سياق روائي يرصد بشكل غير توثيقي حقبة تاريخية مهمة تجلى
فيها نضال الشعب السوري ضد الإحتلال الفرنسي ، وذلك من خلال حدث رئيسي
ينطلق منه المسلسل حين تدخل القوات الفرنسية إحدى القرى السورية الصغيرة ،ولا
تتمكن من التعامل سوي مع قلة من المستفيدين بينما السواد الأعظم من سكان
القرية يتجهون بشكل تصاعدي للانخراط في مقاومة المحتلين...ويركز المسلسل
هنا على فكرة أن الشعب دائماً يمتلك قراره و مصيره ، بحيث يجسد هذه الفكرة
باختزالاتها الدرامية والعاطفية بطل شعبي يدعى ضرغام ،ويقوم بدوره أيمن
زيدان . من خلال ذلك يقدم ( أيام الغضب ) مشهديه اجتماعية وتاريخية تصوّر
جزءاً من الماضي بناسه وعاداته وأفكاره وأحلامه..بحيث تتشكل مفاصل القصة من
مصائر الناس الشخصية والعامة بتقاطعها مع قصة نضالهم ضد الاحتلال . وهكذا
تتعاقب الدراميات الصغيرة في الدراما الكبرى وفق سيناريو يستند إلى واقعية
التاريخ دون أن يقع في اسر الحادثة التاريخية الموثقة ، بما يصنع أحداث
تختصر حياة كاملة فيها الحب والكراهية والعنف والفرح والحزن وشتى العلاقات
الاجتماعية المفترضة في تلك البقعة الريفية في الربع الأول من القرن
العشرين .. كل ذلك يتأطر ضمن قالب وطني جميل يزخر بالحماسات الصادقة . قصة
الحب الكبرى التي يقدمها المسلسل هي تلك التي تقوم بين ضرغام وشفيقه ...هو
المناضل المطلوب من جيش الاحتلال وهي (تقوم بدورها فرح بسيسو) الفتاة
البسيطة التي تعمل مع والدتها في حياكة السجاد والبسط ،والتي تتحول إلى فخ
ينصبه المستعمر لضرغام حين يعلم بعلاقاتهما العاطفية ،لتتشعب الأحداث بعد
ذلك ..
على خط آخر هناك الآغا (يقوم بدوره عبد الرحمن آل رشي )وعائلته ،ويجسد
الآغا في الواقع صورة الموالي للفرنسيين الذي لاتعنيه في حقيقة الأمر سوى
الولاء لأطماعه ولكل من يساعده في تحقيق هذه الأطماع ..حتى ولو على حساب
وطنه وأهله وناسه ....خصوصاً وان الآغا سرعان ماتضرب بيته خلافات حادة مع
أبنائه ، فضلاً عن اصطدامه الدائم بأهالي القرية .. ثم هناك شخصية الشيخ
بشير (ويلعب دوره خالد تاجا)..الرجل الهرم الذي يعيش منعزلاً في أعلى الجبل
ويزور القرية من وقت لآخر حيث يحظى باحترام ومحبة عميقين ، فالجميع يصدق
حكمته ويحترم مشورته ويقدّر موهبته في معالجة المرضى ،ولكن الشيخ البشير
ليس بعيداً هو الآخر عن الهم الوطني العام وسوف يفاجئ الجميع بخطوة مذهلة ،
حين يقصد القرية مطالباً الفرنسيين بإطلاق سرح برهوم (يؤدي الدور عبد
الهادي صباغ )الشاب المتخلف عقلياً والأخرس الذي تعتقله سلطات الاحتلال
بتهمة مساعدة الثوار! نجوم أيام الغضب يصل عددهم إلى خمسين ممثلاً وممثلة ،أبرزهم
أيمن زيدان، خالد تاجا، عبد الهادي صبّاغ، عبد الفتاح المزين،عابد فهد،عبد
الرحمن آل رشي، سامر المصري،فرح بسيسو ، شكران مرتجى ،انطوانيت نجيب ،ليلى
عوض،ياراصبري، وجهاد عبدو.. إضافة إلى الفنانة اللبنانية كارمن لبس،
وممثلين فرنسيين يشاركون لأول مرة في عمل تلفزيوني عربي ،وقد جرى اختيارهم
للعب أدوار ضباط فرنسيين توخياً لمزيد من المصداقية والواقعية .إلى كل
هؤلاء ثمة مئات الكومبارس يظهرون في مشاهد المسلسل التي جرى تصويرها في
قرية القنية وفي مدينة بانياس الساحلية . تبقى كلمة المخرج باسل الخطيب
سجلناها له في دردشة سريعة أثناء الاستراحة. وقد سألناه عن توقعاته حيال
المنافسة الدرامية التي ستدور بين الأعمال الكبيرة المقرر عرضها دفعة واحدة
خلال شهر رمضان المقبل، فأجاب بثقة: أنا ضد هذا اللهاث الذي يحدث دائما قبل
وأثناء شهر رمضان ، ما يهمنى بالدرجة الأولى أن يتم تنفيذ العمل بمستوى فني
متميز . أعرف أن هناك من سوف يعجبه المسلسل فيكتب عنه بشكل ايجابي ،
وبالمقابل هناك من لن يعجبهم وسيكتبون بشكل سلبي .. في النهاية صدري مفتوح
لكل الآراء شرط أن تأتي من صميم العمل وليست دائرة في فلك هوامش واعتبارات
وحسابات لا علاقة لها بالفن لامن قريب ولا من بعيد!
سوار الهاشمي ( مجلة مرايا المدينة – تشرين الثاني 1996 )
|