BACK       عودة

( ذي قار) النموذج ودروس التميز..

إذا كانت معركة ذي قار هي العنوان الكبير للمسلسل الذي انتهت حلقاته منذ أيام على الفضائية السورية ، فان العنوان تندرج تحته عناوين تشير إلى قصص فرعية إنسانية وعاطفية . ويضم الإطار تفاصيل صور كثيرة لحياة العرب وقبالتهم حياة الأكاسرة ، بحيث تشكل هذه الصورة في تداخلها وتكاملها الصورة الشاملة لتلك الحقبة المميزة من تاريخ العرب . وإذا كانت الحرب عنواناً بارزاً لتلك الفترة، فان الحب عنوان آخر لا يقل بروزاً وأهمية، ولا يكتفي المسلسل برصد الحقيقة التاريخية بوقائعها المثيرة فحسب، بل يعتمد إلى تفجير مكامن الدلالات والمضامين الحية فيها،التي ظلت كامنة زمناً طويلاً، قعد العرب فيه عن الفعل التاريخي المؤثر والكبير. في "ذي قار " اجتمع أثر السيف وأثر الشعر ، ففي مواجهة فرسان الفعل والقتال ، يبرز فرسان القول والشعر، ومنهم في النابغة الذبياني والأعشى الكبير، ويقابلهما هند بنت النعمان وبجانبها صفية الشيبانية التي وحدت القبائل بشعرها ،وأثارت حميتهم وحماسهم في المعركة .
استطاع المخرج باسل الخطيب بنجاح تحرير ممثليه من الأداء المصطنع، وكما ذكر فقد كانت هناك ورشة مبكرة خاصة للمخرج مع الممثلين للاتفاق عل صيغة فنية في التمثيل ضمن رؤية مختلفة بعيدة عن التكلف، ملاصقة للصدق والتلقائية .
وتجدر الإشارة الى التميز الذي حققه الكثير من الممثلين المشاركين في المسلسل مثل :أسعد فضة في دور النعمان وزهير النوباني في دور كسرى،ونورمان أسعد في دور هند ،ومنى واصف في دور المتجردة . كما أن هناك إشارات لابد منها لسوسن ميخائيل ورنا الأبيض ،وهشام هنيدي ، ورضوان عقيلي ونجاح سفكوني وقد عزف كل ممثل مقطوعته التمثيلية ببراعة في سيمفونية الأداء التمثيلي .
قد نختلف في مناقشة ما فعله النعمان عندما أودع بناته وزوجته وأسلحته وثروته عند بني شيبان وذهب ليلاقي حتفه تحت أقدام الفيلة، وقد نتساءل لماذا لم يبق في مملكته "الحيرة"ليدافع عنها ؟ لكن على الرغم من كل التساؤلات فان مسلسل ( ذي قار) يعتبر نموذجاً للمسلسل التاريخي كما يجب أن يكون ويعتبر أيضاً درساً بليغاً في التعبير عن طريق الصورة ، وبنجاح هذا المسلسل يؤكد مخرجه باسل الخطيب على موهبته كمخرج تلفزيوني عربي كبير متمكن من مفردات لغته الفنية ، ونجح بامتياز في معالجته لتقديم صورة من صور التاريخ العربي تستحضر حدثاً تاريخياً مهماً وبهياً للاستفادة من عبرته في الحاضر.

عماد النويري ( مجلة القبس 2-2-2002 )