BACK       عودة


( عائد إلى حيفا )
ودراما الاقتلاع والنفي

أخيراً استطعت أن أفوز بالوقت لأشاهد بكل حب واهتمام المسلسل التلفزيوني (عائد إلى حيفا ) عن قصة الكاتب العربي الكبير غسان كنفاني وإخراج باسل الخطيب الذي عرفناه فناناً مبدعاً ودرامياً بامتياز استطاع ،عبر مسلسل درامي واسع الأبعاد ، ومتعدد الجوانب أن يطرح وبفهم موضوعي وجاد وحقيقي رؤية غسان كنفاني في إحدى أهم رواياته، واستطاع أن ينقل بالصورة والمشهد والحركة تلك الدراما الحقيقية والواقعية في حياة شعب فلسطين ومأساته ومعاناته جراء نكبة عام 1948 ،وبالتالي التعبير عن كل تلك الأحاسيس والمشاعر المحزنة والمريرة والإنسانية في آن معاً .

كل من يقرأ رواية "عائد إلى حيفا" يلاحظ مدى الجهد الذي بذل من اجل تحويلها إلى عمل درامي متكامل من السيناريو والإخراج ، إلى الصورة الفنية المعبرة والتي تتدفق حياة وأحداثاً وفعلاً مقاوماً للرد على الاغتصاب الإسرائيلي للأرض والأطفال والنفس البشرية ..وفي هذا يشارك الكاتب الدرامي غسان نزال الذي قام بإعداد "عائد إلى حيفا" من رواية إلى مسلسل تلفزيوني ، المخرج المتألق باسل الخطيب في إبداعه ،وتكوين الروح أراد أن تكون السائدة في عمل أدبي رائع لغسان كنفاني. هذه الرواية كان لها حظوة كبيرة في السينما العربية، أما وقد تحولت الآن إلى مسلسل تلفزيوني فهذا ما يعطيها أهمية مضاعفة على مستوى التواصل الإعلامي والسياسي ، باعتبار أن جهاز التلفزيون هو أحد أهم أجهزة الاتصال الإعلامي مع المشاهدين والناس بشرائحهم وأطيافهم المتعددة ، وإذا كان من سابقة في هذا الشأن ، فإنها تسجل بأحرف من نور وذهب وفعل ناضج للمخرج باسل الخطيب على جرأته أولاً وإقدامه بخطوات محسوبة وثابتة وواثقة من دخول مثل هذا المجهول لكاتب يعد من أبرع الكتاب والإعلاميين السياسيين ، وفي مقدمة المناضلين تجاه قضية فلسطين الشهيد غسان كنفاني الذي لم تستطع إسرائيل بكل جبروتها وقوتها وأدواتها ووسائلها أن تتحمل فعله وثقافته ودوره فقامت باغتياله تفجيراً في الحازمية في بيروت، وأودت بحياته مع ابنة شقيقته ذات السبعة عشر ربيعاً .

بالنتيجة هي تحية تقدير أزفها للمخرج الفارس باسل الخطيب على اختياره وإصراره على أن نشاهد ونستمتع برواية " عائد إلى حيفا " في مسلسل تلفزيوني في هذه المرحلة ، وذلك بعد أن قدم عملاً متميزاً عن المناضل الفلسطيني يحيى عياش، من تأليف الزميلة ديانا جبور.. وعلى الرغم من أنني في هذا المجال لا أقدم نقداً فنياً ل( عائد إلى حيفا ) كمسلسل تلفزيوني ولا أعرض لمساراته كما ظهرت كملحمة درامية على الشاشة الصغيرة ، فان ذلك لا يعفيني من الإشارة وبكل محبة وتقدير واحترام للقامات التمثيلية التي نعتز ونفتخر بها ، وهي قامات تكبر بإبداعاتها وعطائها وما نجده فيها من نبض وحياة ودم وحركة كأنها نحن في المأساة والنكبة سلوم حداد، ونورمان اسعد، وصباح جزائري، وتيسير إدريس ، وسامر المصري ، وفاديا خطاب ، وقمر عمرايا ، وتولين البكري ، وماهر صليبي ". معتذراً في الوقت نفسه عن عدم قدرتي على حفظ أسماء كل الممثلين وهم يصنعون مع الفريق الفني من إضاءة وديكور وصوت ومونتاج وموسيقا.. عملاً درامياً فنياً متكاملاً ورائعاً وهو (عائد إلى حيفا ) للمخرج باسل الخطيب .
الحديث عن غسان كنفاني و"عائد إلى حيفا" له عندي نكهة خاصة ، وهذا ما يحرضني على القول كأمنية أن تتحول كل أعماله الروائية . ويمكن بالفعل أن تتضافر جهود كمؤسسة غسان كنفاني الثقافية مع المخرج باسل الخطيب ، ومن يراه الأقدر على كتابة سيناريو ناضج وناجح مع مؤسسات إنتاجية تلفزيونية ، للشروع في برنامج متكامل ، تتحول فيه الأعمال الروائية لغسان إلى مسلسلات درامية هامة وهو ما سيشكل إضافة هامة وايجابية وطبيعية للدراما العربية ، وللتلفزيون كوسيلة اتصال سياسي وثقافي وإعلامي في إطار فني يساهم في معرفة كل جوانب القضية الفلسطينية ، ويوضح أبعاد هذه القضية ليس باعتبارها قضية شعب طرد من أرضه وشرد من وطنه فحسب ، بل كقضية تحرر وطني واستقلال ومقاومة أيضاً.

أحمد صوان ( جريدة تشرين 24- 5 – 2005 )