|
نساء صغيرات
نموذج لمهارات اللعبة الدرامية..
في كل مرة نشاهد فيها الحلقات الأولى من أي عمل درامي أخرجه باسل الخطيب
نتوهم أن بالإمكان الإفلات منها، والبحث عما يرضينا في القنوات الأخرى.
ولكن باسل يعرف هذه الإمكانية لدينا ،ويعرف أيضاً أن من صلب نجاح العمل
الفني الوصول إلى صاحبه (متلقيه)، فيعمل لكي تتحقق هذه الفرضية ،ولو بذل
الكثير من الجهد .
فعل باسل الخطيب كمخرج له أسلوبية فنية خاصة به اشتغل عليها طويلاً وحارب
من اجل استقلاليتها ، فعل ذلك في أكثر من عمل درامي قدمه للفضائيات العربية
( الطويبي ،أيام الغضب، هوى بحري، الخريف) وفي (نساء صغيرات) العمل المتقن
الذي أسر المشاهد. في مسلسل (نساء صغيرات ) نتذكر رواية (نساء عاشقات).. لا
لأن ثمة حالة تناص بين قصة وسيناريو وبين رواية أجنبية ..ولكن لأننا
مأخوذون بحواريات من نوع خاص في الدفاع عن أنماط في الحب المكسور والحب
الحقيقي . وهذه النقطة لا تعني شيئاً ، فالبيئة التي قدمها المسلسل هي من
بيئتنا "الجديدة" والشخصيات هي من مجتمعنا "نمط جديد" والأحداث والمسارات
الدرامية ليست بعيدة عن بعض أجوائنا الخاصة .. وفي تلخيص مباشر نقول: قدم
المسلسل عدة مسارات درامية يجمع بينهما "الحب" وأخبرنا خلال ملاحقة تجارب
الشخصيات الحية ان الحب وحده لا يكفي وان العقل والمصلحة وحدهما لا يكفيان
وربما نكتشف دعوة مبطنة إلى الوسطية . المسارات الدرامية التي يجمعها
المسلسل عبارة عن قصة حب بين زوجين مطلقين فشلا في الزواج ولم يتخليا عن
الحب الذي كانا يحلقان فيه في عالم الرومانسية ..وقصة حب بين كاتب معروف
وطالبة صغيرة، وبالطبع ستواجه علاقة الحب هذه كلأنواع الرفض الاجتماعي في
ظروفنا على الأقل . في هاتين القصتين نتابع ملحقات درامية كالعلاقة بين
الكاتب وزوجته المطلقة ،والعلاقة الفاشلة بين الطالبة وخطيبها الأول
الانتهازي ،والعلاقة بين هذا الانتهازي وزوجته التي اختارها من اجل المال
...الخ. لقد ترابطت كل هذه "القصص" أو " المسارات" بجديلة واحدة عبرت عن
نفسها بوحدة متماسكة هي مسلسل( نساء صغيرات) وسوف لن نحتاج إلى أي وصاية
على النص لأن اللعبة الفنية جعلتنا نتابع بانسجام ونثير حوارات جانبية حوله
.وربما تذكر البعض منا قصص حب في الجامعة او في العمل يظن انها تشبه
ماشاهده في هذا المسلسل ! فنياً تمكن هذا النص الدرامي الذي وجد بين يدي
مخرج محترف ، تمكن من إطلاق طاقات مجموعة العاملين فيه من ممثلين وغير
ممثلين ،ولا تخفى هذه المسألة على احد، فالممثلون اللذين يعرفون أهميه هذه
النقطة جيداً، يدركون معنى النجاح الذي يحققه الممثل عندما يلعب دور العاشق
..وخارج إطار النقد، كنت أشعر أن "عبد الهادي صباغ، نورمان اسعد، كاريس
بشاروحتى طلحت حمدي وفاديا خطاب ونادين ووضاح حلوم كانوا يبحثون عن عاشقٍ
ما في داخلهم، سواء كان منتصراً ،أو مهزوماً..أو محايداً ومؤيداً للحب
،وثمة شفافية وخصوصية لجهاد عبده في دوره! كان جميع من يعمل في المسلسل
يدافع/يهاجم/ يتفاعل مع العشق في حياته وحياة الآخرين ..وليس صعباً في هذه
الحالة أن يكون المخرج نفسه استخلص هارموني التعامل مع هذا العشق في مسلسل
شفاف من خلال تفاعله هو أيضاً، ولكن باسل الخطيب راح يبحث عن الأدوات
الأخرى ، ليستكمل الصورة ، فبعد أن توفر االسيناريو الذي يبني عليه هرمه
الفني ،وبعد أن انتقى الممثلات الجميلات القادرات على النهوض بأدوارهن
بتميز والدخول إلى قلوب المشاهدين بيسر، لجأ إلى مهارته العالية في تحريك
الكاميرا والتقطيع بين اللقطات واستخدام الموسيقى التصويرية والإضاءة التي
تجعل من المشاهد جزءاً من الحدث .وهنا أسجل له النجاح الكبير في استخدام
اللقطات الصامتة لشرح تفاصيل الحالة الداخلية الدرامية ، وهذه مسألة (أراها
) جديدة في لغة الإخراج .. وإذا استخدمت ،فقد تكون قليلة ..لأن شرح
التفاصيل الداخلية للشخصيات المنفعلين في الواقعة الدرامية ليست عملية سهلة
،واستخدام هذه الطرق لإيصالها للمشاهد عملية خطرة . (نساء صغيرات) في
أدواته البصرية والفنية جعل من المشاهد قارئاً وناقداً معاً يستطيع أن يفرق
بين "نورمان اسعد" في أعمال سابقة و"نورمان" العاشقة، وأن يفرق أيضاً بين
خالد تاجا في دوره الثانوي الصعب في (نساء صغيرات) وخالد تاجا في مساره
الفني المتميز ..إن فرصة التنافس فرضت نفسها على صعيد الأدوار ،فغابت
البطولة، وحل محلها العمل الجماعي ،وقد عكست الشارة لذلك .
واقعياً أطلق النص حرية العمل للجميع تماماً كما أطلق حرية الدفاع عن سلوك
كل شخصية من الشخصيات فكان هناك"ديمقراطية" مميزة للتعبير عن الطبائع
والسلوكيات ومحاولة تبريرها ،إلا في حالة العجز ،وهذا هو المنطق الطبيعي
للأشياء عندما لا تتمكن الشخصية الشريرة من الإقناع في محاولاتها ودفاعها
أو استجلاب التعاطف معها.
الحب لا يكفي !
هذا ما قاله مسلسل (نساء صغيرات)..الحب يحتاج الى بيئة وطبائع لينمو، هل في
هذا الطرح مزاوجة أخلاقية بين التقاليد والعالم الجديد الذي يجتاج
مجتمعاتنا ؟! هل في هذا التآلف بين التطور =الجيل الجديد، والمفاجأة
/الدهشة = الجيل الآفل تتحدد ملامح التطور الاجتماعي ؟ أسئلة يطرحها
المسلسل، ولكن الحالة التي انتابت المشاهدين غدت بسهولة حالة تلق فقط ولم
يكن هناك رغبة في الإجابة على مثل هذه التساؤلات، فالمسلسل يجعلنا نتعاطف
في حالات لا نوافق عليها لو حصلت معنا ،وهنا تبرز الإشكالية :الدراما تثير
تفكيرنا بقوة حتى لو لم نحدد موقف ..!!
عماد ندّاف ( مجلة فنون 14 – 9 – 2000 )
|